فى ظل انتشار فيروس كورونا فى كافة أنحاء العالم وتأثيراته السلبية بل والمدمرة لاقتصاديات كبرى الدول، ناهيك عن الصغرى منها، تواجه مصر بجانب ذلك تهديدًا للأمن المائي المصري بانعكاساته على الأمن القومي، حيث أعلنت إثيوبيا بالبدء في عملية الملء الثانى للسد، وقد أعلنت أثيوبيا في ابريل 2020 عن انتهاء 73% من أعمال بناء السد وأنه سيتم ملء خزان السد في موسم الأمطار القادمة فى بداية شهر يوليو 2021، وقد سبق واستغلت إثيوبيا انشغال مصر مرتين، المرة الأولى بأحداث يناير 2011 حيث قام رئيس الوزراء الإثيوبي السابق مريام ديسالين بوضع حجر الأساس في 2 أبريل 2011، بعد أن تم تحديد موقعين في منتصف 2010 لدراستهم قبل وقوع الاختيار النهائي على الموقع الحالي الذي تم فيه البناء، حيث قامت هيئة المساحة الأمريكية بتحديده سنة 1960 وذلك بعد زيارة وفدٍ كبير لأديس أبابا خلال فترة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي والذي كان ردًا على تمويل الاتحاد السوفيتي لبناء السد العالي، وأخذت أثيوبيا القيام بتحركات سريعة لإبرام عقود مع الشركات وجمع الممولين والمتبرعين والتي حصلت عليه شركة إيطالية ( سالين إيمبريجليو) بقيمة 4.5 مليار دولار، أما المرة الثانية فكانت خلال ثورة 30 يونيو 2013 حيث سرَّعت من إجراءات البناء وقتها.
والمتابع لهذا الملف الهام يسمع كثيرا عن تمسك مصر و السودان للاتفاقيات الدولية المبرمة بين دول حوض النيل و التى تحدد نصيبهما كدولتى مصب و محاولة إثيوبيا التنصل من تلك الاتفاقيات تحت مزاعم كثيرة و لذا وجدت من الضرورة أن نعرف ماهى تلك الاتفاقيات و علاما نصت فى طياتها.
- البروتوكول الموقع بين بريطانيا وإيطاليا سنة1891م والذي ينص على أن إيطاليا صاحبة السيادة على الحبشة آنذاك والتي تعهدت بألا تقيم على نهر عطبرة أية إنشاءات للري من شأنها أن تؤثر على كمية مياه نهر عطبرة التي تصب في نهر النيل.
- مجموعة المعاهدات المعقودة في 15مايو 1902, بين بريطانيا وإثيوبيا وبين بريطانيا وإيطاليا وإثيوبيا, بشأن الحدود بين السودان المصري البريطاني وإثيوبيا وإيتريا والموقعة في أديس أبابا, والتي تعهد فيها الإمبراطور الإثيوبي (منليك الثاني) بألا ينشأ أو يسمح بإنشاء أية أعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط يكون من شأنها تعطيل سريان مياهها إلى النيل إلا بالاتفاق مع حكومة بريطانيا وحكومة السودان المصري البريطاني.
- الاتفاق المبرم في 9 مايو 1906 في لندن بين بريطانيا وحكومة دولة الكونغو الديمقراطية والتي تتعهد فيه بموجب المادة الثالثة منه بألا تقيم أو تسمح بإقامة أية منشآت قرب نهر سميليكر أو نهر ايسانجو تكون من شأنها أن تقلل كمية المياه التي تصب في بحيرة ألبرت إلا بالاتفاق مع حكومة السودان المصري البريطاني.
- اتفاقية ديسمبر 1906 المبرمة في لندن بين كل من بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا بشأن الحبشة, وتم التأكيد في هذه الاتفاقية على مصالح بريطانيا العظمى ومصر في حوض نهر النيل وتنظيم مياه وروافده.
- اتفاقية نوفمبر 1924 بين بريطانيا ممثلة عن تنجانيقا( تنزانيا) وبلجيكا ممثلة عن رواندا وبروندي, وقد قضي هذا الاتفاق على كمية المياه التي تحول من أي روافد النيل التي تجري بين الاقليمين يجب أن تعاد إلى نهر كاجيرا قبل وصولها إلى الحدود المشتركة, ويسمح بتحول نصف كمية تصريف هذا النهر من أجل الأغراض الصناعية خلال الفترة التي يكون تصرف النهر فيها في حالته الدنيا.
- مجموعة المذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا والتي تعرف باتفاقية روما 1925م, والتي تعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق والأبيض وروافدها وتتعهد بعدم إجراء أي مشروعات عليها من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجه نحو المجرى الرئيسي للنهر.
- اتفاقية مياه النيل عام 1929م بين مصر وبريطانيا بالنيابة عن السودان وكينيا وتنجانيقا(تنزانيا) وأوغندا, وتعتبر هذه الاتفاقية بمثابة علامة بارزة في تاريخ نهر النيل, وساعدت في تأسيس نظام قانوني للنيل واعتراف الأطراف المعنية بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية في مياه النيل, كما حافظت الاتفاقية على التدفق الطبيعي للنيل ومنحت السودان في نفس الوقت قدر مناسب من مياه النيل, وحددت نصيب مصر من مياه النيل ب48 مليار م3, والسودان ب4مليار م3, كما تقتضي بتحريم إقامة أي مشروع من أي نوع على نهر النيل أو روافده أو البحيرات التي تغذيها إلا موافقة مصر.
- وقد رفضت الدول الأطراف هذه الاتفاقية, حيث أعلنت تنجانيقا( تنزانيا حالياً) بعد استقلالها عام1962, أن الاتفاقية لا تتفق مع صفتها كدولة مستقلة, وحذت كل من كينيا وأوغندا حذو تنزانيا, ودعوا بعدم الاعتراف وأعلنوا أنهم تخلوا عن الالتزام بالاتفاقية, بحجة تغير الظروف وأن البلاد التي كانت مستعمرة لم يكن لها أي دور في المعاهدة, وتابعت إثيوبيا أنها لم تكن طرف في الاتفاقية كما تهربت من ما يقره قانون التعاقب والتوارث الدولي, بينما أكدت مصر في مذكراتها على سريان الاتفاقية وفقاً لمبدأ التوارث الدولي, وبينما لم ترد السودان على المذكرة المصرية ولا الكينية.
- اتفاق خزان جبل الأولياء(1933- 1937) بين الحكومة المصرية وحكومة السودان بترتيبات بريطانية, وتم بناء الخزان في 1937م على نفقة الحكومة المصرية كما دفعت مصر تعويضات للأهالي السودان المتضررين وبعمالة معظمها مصرية, وأعطي الخزان زيادة في المياه الواردة لمصر وتوسع في الأراضي المزروعة في السودان.
- اتفاقية لندن في 23نوفمبر 1923 بخصوص نهر كاجيرا المنبع الأول الذي يصب في بحيرة فيكتوريا, بين بريطانيا( نيابة عن تنجانيقا) وبلجيكا( نيابة عن روندا وبروندي) والتي تضمنت قاعدة مهمة وهي عدم السماح باستغلال مياه النيل في توليد الطاقة الكهربائة, وذلك لعدم جواز المساس بكمية المياه التي تتدفق من منابعه إلى المجرى الرئيسي.
- اتفاقية إنشاء سد أوين(1949- 1954) بين مصر وبريطانيا(نيابة عن أوغندا) والتي تضمنت قيام مصر بالإسهام المالي في بناء خزان أوين بغرض توليد الكهرباء لصالح أوغندا مقابل زيادة حصة مصر في مياه النيل لأغراض الرى عن طريق المياه التي تحجز خلف الخزان.
- اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل عام 1959م بين مصر والسودان بشأن إنشاء السد العالي وتوزيع منافعه, وتعتبر هذه الاتفاقية هي أهم الاتفاقيات التي نظمت العلاقات المصرية السودانية بشأن المسألة المائية, وجاءت هذه الاتفاقية بعد مشوار طويل من المفاوضات والخلافات, وخاصة وقوف بريطانيا موقف المعارض للمشروع ومحاولة إنشاء خلاف بين مصر والسودان ومصر ودول المنبع, ودعمها لحزب الأمة في انتخابات(1957-1958) ذات الميول البريطانية لحمل السودان على عدم الموافقة على المشروع, كما حاولت بريطانيا إقحام إثيوبيا ودول أخرى من دول المنبع في المفاوضات لكي تكون جبهة في مواجهة مصر على الرغم بأن المشروع لا يمسها من قريب ولا من بعيد, وأكدت الحكومة المصرية على أن المفاوضات ستكون بين السودان ومصر وخاصة وأن بحيرة السد تمتد حوالي 150كم في الأراضي السودانية, وبعد حدوث انقلاب عسكري بقيادة إبراهيم عبود عام 17نوفمبر1958م, وبعدها أبدى عبود رغبته في الدخول في مفاوضات مع الحكومة المصرية بشأن المسألة المائية, وتم الأعلان عن التوصل إلى اتفاق نهائي لأنشاء السد العالي.
وتم الاتفاق على حساب صافي الفوائد من السد ب 22 مليار م3, يكون نصيب السودان منها 14.5مليار م3, ومصر 7.5مليار م3, كما تم الاتفاق على استبعاد 10مليارم3 فاقد التبخير السنوي, وذلك من كمية متوسط إيراد النهر الطبيعي84مليار م3 عند أسوان, كما أكدت الاتفاقية على حقوق مصر المكتسبة في مياه النيل وفقاً لاتفاقية 1929م, وبالتالي هي أكدت على اتفاقية 1929 ولم تلغيها.
- كما يمكن القول في شأن بعض دول المنبع التي تعارض الاتفاقية وتراها أنها خطوة انفرادية وكان من المفترض أن تشارك في المفاوضات, فلم يكن الأمر يؤثر على دول المنبع بالسلب أو بالايجاب كما أن دخولهم في المفاوضات كان سيعرقلها بسبب خضوع هذه الدول تحت السلطات البريطانية المعارضة للمشروع للعديد من الأسباب الغير متعلق بمياه النيل في الأساس, وواجهت اتفاقيتي 1959و1929 للنقد من جانب بعض السودانيين على الرغم أن الاتفاقية أعطت الكثير للسودان حيث حصلت على النصيب الأكبر من صافي إيرادات المشروع, كما كفلت لها الاتفاقية إنشاء خزان الروصيرص وغيرها من المشروعات, كما تحملت مصر تعويضات أهالي السودان وهي من تكفلت ببناء السد, و واجهت الكثير من الضغوطات والتحديات الخارجية لأنشاء السد العالى.
- الاتفاق المبرم في مايو1991 بين مصر وأوغندا, بشأن مشروع إنشاء محطة لتوليد الكهرباء على بحيرة فيكتوريا, والذي تضمن التزام الدولتين بما سبق أن اتفق عليه عند إنشاء خزان أوين عام 1953, وجواز تعديل الاتفاقية بناء على اتفاق الطرفين وبما لا يضر بدولة المصب.
- اتفاق القاهرة الموقع في يوليو1993 بين الرئيسين المصري والإثيوبي, وقد تضمن هذا الاتفاق في أحد بنوده تعاهداً من الطرفين بالامتناع عن أي نشاط يؤدي إلى إلحاق ضرر بمصالح الطرف الآخر فيما يخص مياه النيل كما تعهد بالتشاور والتعاون في المشروعات ذات الفائدة المتبادلة، وعملاً على زيادة حجم التدفق وتقليل الفاقد من مياه النيل.
فى المقال القادم سنستعرض معا كيفية قيام دول المنبع بتكوين جبهة بقيادة اثيوبيا لضرب كل تلك الاتفاقيات ومحاولة الغائها و ابرام أطر قانونية بديلة بداية من اتفاقية عنتيبي.